قسم اللغة العربية و آدابها
لغةُ المرءِ ذاتُهُ إنْ تَهُـنْ هـَــــــــانَ وأضْـوى وذَلّت الكِبْريــاءُ
تشهد أمتنا العربية والإسلامية تحدياتٍ حضاريةً نوعيةً وغيرَ تقليدية، أبرزُها وأخطرها على الإطلاق طوفان "الهويات الجديدة " لاسيما الهويات الافتراضية التي تنمو كالفطر في البيئة الرقمية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حيث تحطمت حدود الجغرافيا التقليدية وحلت محلها جغرافيا رقمية تُنتِج "أنظمة هوية مستحدثة"؛ شطر منها تتحكم فيه أدوات العولمة الثقافية واللغوية وشطر آخر تتحكم فيه بوصلات تتغير وتتجدد بلا ضابط ولا قيد والثابت الوحيد فيها دفع الشباب إلى التمرد على ما يوصف بكونه أغلال الهويات القديمة وأصفادها واصطناع هويات جديدة لا لون لها!!. وبمناسبة حديث الهوية والتراث هذا يجب أن نذكِّر شبابنا وطلابنا بحقيقة الحروب التي تشن اليوم على الهويات الحضارية والثقافية و الإقليمية والقُطْرِية المقاوِمة لِمَدِّ " العولمة الثقافية " الآثم والذي يستهدف بشراسة بالغة التشويشَ على بوصلة الولاء للهوية ولقيم لأصالة التراثية الضاربة جذورها عميقا في تاريخنا وحضارتنا، وهي حروب ترجع في الجملة إلى نوعين : أما النوع الأول فالحروب الثقافية المعلنة وغير المعلنة،و التي تُحشَد لها كل أنواع القوة الناعمة وغير الناعمة، على كل ما يوصف بكونه منابعَ ومناهلَ تعزز قيم الانتماء والولاء لتراثنا الحضاري والثقافي العربي والإسلامي، والإشارة ههنا إلى قوى "الاستكبار الثقافي واللغوي العالمي" ممثلة في مختلف مشاريع "العولمة الثقافية واللغوية المتطرفة" ورغبتها الجامحة في تجفيف كل المنابع التي تعزز قيم الانتماء والاعتزاز والفخر بالتراث الثقافي وبالهوية الدينية واللغوية والحضارية. إن هذه المشاريع الخطيرة على مستقبل الأمم كانت،إلى عهد قريب، مغلفة بأقنعة المال والاقتصاد حينا وبأستار من التضليل الثقافي والتعليمي والسياسي والإعلامي أحيانا كثيرة ، وأما اليوم فإن تلك المشاريع لم تعد تتستر بشيء من هذه الأستار أو تلك الأقنعة والحجب، بل إن الدول "القوية" المسيطرة على مراكز القرار الدولي لم تعد تجد غضاضة في التصريح والترويج لفلسفة " الهويات الجديدة المستحدثة" ولضرورة أن يكون لدى الشعوب والأمم "الأخرى" استعداد كامل – في سياساتها ونظمها الاجتماعية والتعليمية - لقبول هذه الهويات الجديدة والتفاعل المتسامح مع " منظومة القيم الجديدة " التي منها تستمد تلك الهويات المستحدثة مادتها. إن مشاريع العولمة الثقافية واللغوية المتطرفة تقودها في عالم اليوم بِنياتٌ ومؤسسات حاضنة رسمية تمثلها فئة خاصة من مراكز البحوث الاستراتيجية التي تتستر بالغطاء الأكاديمي والبحثي وهي في الحقيقة إما مرجع استشاري يُسترشد بمخرجاته التحليلية في التعامل مع موضوع إدارة الهويات والانتماءات الثقافية للشعوب تحكُّما في مساراتها وتوجيها لبوصلتها، وإما بيتُ خبرةٍ متخصصٌ في "صناعة الهويات الثقافية الجديدة" وفي تصميم نسيج هذه الهويات وإنتاج إكسيرها وفي التحكم في كيميائها بناء على الطلب، والطلب في هذا الباب – كما لا يخفى على ذي لُبّ - محكوم بمنطق الغالب والمغلوب و بثوابت المغالبة ومتغيراتها ( الجيوثقافية). والتي لا يستتبُّ فيها للغالب شأن إلا بمغالبة الهويات الممانعِة وقهرها، لاسيما ما كان منها ينازعه منازعة صريحة شطرا ولو يسيرا جدا من سلطانه.
و أما النوع الثاني من حروب الهوية فتلك التي تستهدف التراث المادي ممثّلا في عدد من رموز التراث الحضاري والثقافي الإسلامي العريق في مناطق مختلفة من العالم العربي والإسلامي، وفي مقدمتها المسجد الأقصى الذي يئن تحت معاول الحفريات الصهيونية الآثمة التي تسعى سعيا حثيثا لتحقيق النصر في معركة الاستلاب الجغرافي لبيت المقدس بعد أن فشلت ملاحم طمس الذاكرة وآلت إلى الفشل كل خطط استلاب الرمزية واستئصال الذاكرة من وجدان العرب والمسلمين.
إننا في قسم اللغة العربية ننطلق من إطارين مرجعيين أساسيين هما :
-
رؤية قطر الوطنية 2030 في شطرها المتعلق بترسيخ قيم مجتمع المعرفة، و التمكين للغة العربية، وتعزيز حضور المعرفة العلمية المتجددة في المجتمع القطري.
-
استراتيجية جامعة قطر البحثية ورؤيتها الفلسفية في مجال تعزيز الدراسات والأبحاث ذات الطبيعة البينية، وضرورة أن تكون قضايا اللغة العربية في صميم الاهتمامات البحثية البينية للمتخصصين والمعنيين، وضرورة تحويل بوصلة الاهتمامات البحثية في الأقسام العلمية المختلفة من مجالاتها النمطية التقليدية المنغلقة على ذاتها إلى مجالات نوعية تنفتح فيها التخصصات بعضها على بعض وتتعاضد وتتكامل وتستثمر كل فرص التفاعل والتكامل الممكنة من أجل تقديم حلول غير تقليدية لمشكلات علمية مستعصية ومزمنة يرجع شطر كبير من استعصائها إلى ما يمكن الاصطلاح عليه بظاهرة التطرف في الانغلاق التخصصي وهي بالفعل ظاهرة بدأ عدد من فلاسفة العلوم يحذرون من مخاطرها على مستقبل العلم والإبداع العلمي.
أ.د. رشيد بوزيان
رئيس قسم اللغة العربية