في الثالث والرابع من ديسمبر 2025م نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر بالتعاون مع كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر مؤتمر تجسير الدوري السنوي الثالث بعنوان: "البينية في العلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعات العربية: الواقع والتحديات والآفاق"، وقد عُقد المؤتمر في مدرج كلية القانون بجامعة قطر، وقدِّمت خلال جلساته 20 ورقة بحثية تطرقت لواقع البينية في جُملة من الجامعات العربية وما تواجهه من تحديات وما تتطلع إليه من آفاق.
وقد حضر حفل الافتتاح الأستاذ الدكتور/ محمد حسين السفران، مساعد نائب رئيس الجامعة للبحث والدراسات العليا، والأستاذ الدكتور/ بدران بن لحسن، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعيّة، والدكتورة/ فاطمة علي الكبيسي، عميدة كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، بالإضافة إلى عدد من أعضاء هيئة التدريس والباحثين والطلبة من مختلف الكليات، والمهتمين بالشأن العلمي والأكاديمي من المجتمع المحليّ القطريّ.
ويهدف المؤتمر في نسخته الحاليّة إلى دراسة واقع الأبحاث البينية في الجامعات العربية، من خلال استكشاف التجارب البحثية المنشورة وتحليلها، والتعرف على التحديات والصعوبات التي تعيق تطورها، واقتراح سبل تطوير البيئة الأكاديمية لتعزيز البحث البيني. كما يهدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على مختلف النماذج المعتمدة في البحوث البينية في الجامعات العربية، ودراسة آليات عملها ومدى تأثيرها على تطور العلوم الإنسانية والاجتماعية، والاستفادة من التوصيات المقدمة في الدراسات المبنية على دراسات عملية، بالإضافة إلى دراسة الفرص والآفاق التي ينفتح عليها البحث البيني في الجامعات العربية، وسبيل توفير سياسات أكاديمية مناسبة للقيام بمثل هذه الدراسات.
افتُتِح المؤتمر بكلمة الأستاذ الدكتور/ محمد السفران، الذي استهلها بترحيبٍ بالضيوف المشاركين في أعمال المؤتمر والحاضرين فيه، كما أشار في كلمته إلى أهمية هذا المؤتمر والسياق العلمي الذي يأتي فيه؛ إذ ذكر بأن النسخة الحالية من المؤتمر تأتي "في سياقٍ تتعاظم فيه الحاجة إلى تجديد أدوات الفهم والتحليل في العلوم الإنسانية والاجتماعية، حيث باتت المقاربات التخصصية المفصولة عن بعضها عاجزة عن مواكبة التحولات المتسارعة، وعن تفسير الإشكالات الكبرى المطروحة في منطقتنا والعالم. ومن هنا تبرز أهمية البينية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، لما تحمله من إمكانات معرفية ومنهجية من شأنها أن تسهم في إعادة بناء أدوات البحث، وتدفع الباحثين في جامعاتنا العربية إلى الانخراط في تطوير تجربة البحث البيني بما يتجاوز ضيق حدود التخصص، ويستجيب لتحديات الواقع برؤية أكثر شمولًا وعمقًا".
كما تحدث في افتتاح المؤتمر الأستاذ الدكتور/ بدران بن لحسن، الذي أشار في كلمته إلى أن مؤتمر التجسير السنوي يأتي ضمن إطارَيْ التجسير والمواكبة اللذين يمثلان اثنين من الأطُر الأساسية الأربعة التي يعمل في ضوئها مركز ابن خلدون، إذ يهدف الأول إلى التشبيك المعرفي بين العلوم المختلفة لمعالجة القضايا الإنسانية والاجتماعية بصورة متكاملة دقيقة تقدّم حلولًا مناسبة لإشكالاتنا وتحدياتنا، كما توفّر معرفة علمية منسجمة مع خصوصية واقعنا الحضاري وتقاليدنا الراسخة، في حين يسعى إطار المواكبة إلى الاستجابة العلمية لواقع مجتمعاتنا في ظل التطور المتسارع في عالَم المعرفة، ومحاولة توفير بنية علمية تلائم حاجاتنا الواقعية وتطلعاتنا المستقبلية.
ومن جهتها أكّدت الدكتورة/ فاطمة علي الكبيسي، في كلمتها على أهمية هذا المؤتمر الذي يهدف إلى التجسير بين العلوم الإنسانية والاجتماعية في ظل الواقع الراهن المعقّد؛ لتقديم رؤى علمية أكثر دقة وموضوعية تفيد الأكاديمية بمختلف فروعها المعرفية، كما اشارت سعادتها إلى أهمية الشراكة بين كلية الآداب وبقية المراكز في معالجة المشكلات المعرفية التي تواجهها الجامعات العربية وفتح آفاق للبحث البيني.
وبعد حفل الافتتاح تتابعت جلسات اليوم الأول الذي تناولت أوراقه الدراسات البينيّة من جوانبها المختلفة، من حيث اقتراح نماذج عملية لمواجهة التحديات في البحوث البينية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، واكتشاف البنى العلمية والمؤسسية والذاتية التي تمثل عوائق أمام البحث البيني في الجامعات العربية، والبحث عن دور الدراسات البينية في تنمية مهارات المستقبل لدى طلبة الدراسات العليا.
في حين اتجهت بعض الأوراق إلى اكتشاف واقع الدراسات البينية في جامعات عربية محددة، مثل جامعة ابن زهر، وجامعة عدن، وبعض الجامعات العراقية، ومعهد الآداب الشرقية، وجامعة محمد الصديق بن يحي – جيجل، وجامعة الحسين بن طلال؛ للوصول إلى التحدِّيات المختلفة أمام الدراسات البينية، وتقديم حلول عملية لتجاوز تلك التحديات، واقتراح آفاق مستقبلية للدراسات البينية. وقد اختُتِمت جلسات اليوم الأول في الساعة الخامسة مساءً عقب انتهاء الجلسة الثالثة التي شملت أوراقٍ من مختلف العلوم الاجتماعية والإنسانية (علم النفس، وعلم السياسية، وعلم الاجتماع).
وانطلقت أعمال اليوم الثاني الذي ضمّ أربع جلسات طرحت أوراقها رؤى معمّقة لواقع الدراسات البينيّة في الجامعات العربية؛ من خلال تقديم تجارب بحثية متنوّعة وتحليل إشكالات معرفية ومؤسسية مشتركة. واستعرضت بعض الأوراق واقع الدراسات البينية في قطر واليمن والمغرب والصومال، مع التركيز على تحديات التكامل بين العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية والتربوية.
كما ناقشت أوراق أخرى القيود والفرص في البحوث البينية داخل الجامعات الأردنية والتونسية والقطاع التربوي بجامعة الأزهر، مقدّمة نماذج لآليات التحفيز وإشكالات القياس والتطبيق. هذا وتطرق باحثون للتحديات المؤسسية في سياق الجامعات الكويتية والسودانية؛ في محاولة للكشف عن التحديات المؤسسية وتفعيل دور القيادة الأكاديمية. واختتمت أعمال اليوم الثاني بجلسة نقاشية مفتوحة أدراها الأستاذ الدكتور / التيجاني عبد القادر، رئيس قسم العلوم الاجتماعية في مركز ابن خلدون، وأتيح من خلالها للباحثين تعميق الحوار حول قضايا البحث البيني في الجامعات العربية، واستعراض الرؤى المقارنة وتبادل الخبرات المؤسسية والخروج بمسارات تطويرية مشتركة.